‏إظهار الرسائل ذات التسميات مغامرات نطاح المطايزة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مغامرات نطاح المطايزة. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 21 يوليو 2009

النية الخافية وراء نظم القافية - الجزء الثاني للمغامرة رقم 2





في أحد أقبية جهاز المخابرات المركزي في رام الله , وتحت ظلمة داكنة يشوبها بين الفينة والاخرى ضوء متقطع خافت تصدره لمبة متدلية من السقف, كان هناك رجل في الخمسينيات من عمره يحاول الثبات على مقعد خشبي صغير منخفض ليس له مسند للظهر, واضعا رأسه بين يديه ويحاول كل جهده أن لا يبكي خوفا مما ينتظره في هذا المكان الذي ذاع صيته السيئ وصيت القائمين عليه بين الناس.

كان الجلوس على المقعد عذابا اليما بحد ذاته لكن الرهبة مما يمكن ان يحدث والسيناريوهات التي رسمتها مخيلته هي التي جعلت جسده يرتعد ويعرق معا. عقله كان يبحث في جنون عن أي سبب معقول أو حتى ممكن يفسر اختطافه من منزله في ساعات الفجر على يد أجهزة الامن الفلسطينية, هو الذي اتبع في حياته مبدأ "الحيط الحيط ويا رب السترة" وابتعد منذ طفولته عن أي عمل سياسي او حزبي, قبل أو بعد أوسلو.

بين الفينة والاخرى كان يأخذ نفسا عميقا محاولا ضبط انفاسه ثم يزفر "يا رب".

ماذا يمكن ان يكون السبب يا الله?...عصر ذهنه مرة وأخرى وأخرى ولم يجد أي اجابة معقولة فهو لم يتعرض لأي من تلامذته ابناء الشخصيات المهمة في الصف وحرص على التمييز معهم وفقا لسياسة مجلس ادارة المدرسة. كما ان علاقته بكامل المسؤولين بخير وليس له عداوات شخصية مع أي كان. كما ان..

صرير باب القبو قطع عليه حبل أفكاره فنظر بهلع الى جهة الصوت ورأى الباب يفتح قليلا قليلا لكن احدا لم يدخل لدقيقة كاملة. كانت يدا الرجل المحتجز ترجفان بشدة في تلك اللحظة لكن جسده كله بدا يرتجف عندما سمع صوت تصفيق حاد ثم عبر شخص عريض المنكبين حليق شعر الرأس تبعه شخص اخر اقل ضخامة الى الغرفة, وبدءا يمشيان كتفا الى كتف وببطء شديد الى ان وصلا الى الرجل المحتجز الذي بلغ رعبه ذروته حتى خيل اليه ان قلبه التصق بأسفل حنجرته وسيقفز خارج صدره لا محالة وتسمرت عيناه على الضخم الذي عاد الى التصفيق وهو ينظر الى عينيه مباشرة قبل ان ترتسم ابتسامة واسعة على شقتيه ويقول بصوت جهور:

"قم للمعلم وفه التجبيلة كاد المعلم........شو بعدين يا فايز؟ "

استدار الضخم الى رفيقه منتظرا الاجابة بينما كان المحتجز ينظر الى الاثنين نظرة بلهاء وقد سقط فكه السفلي.

"سيادة الرائد...التبجيلا مش التجبيلة...مع انك غيرت في مطلع البيت قليلا...بس برضو حافظت على المعنى العام وروح القصيدة..و"

"فايز...اختصر. شو بعدين؟"

"كاد المعلم ان يكون رسولا سيادتك...." ثم أردف " طبعا سيادتك مش داخلة بالبيت...طبعا..مفهومة هاي"

نظر الرائد الى فايز موبخا ثم استدار ليكمل عجز البيت لكنه لم يستطع, ذلك ان سريالية المشهد فاقت قدرة المحتجز على الاحتمال فسقط من على المقعد على وجهه كلوح من الخشب غائبا عن الوعي.

* * *


بدأ وعي استاذ نهاد المسالمة يعود اليه تدريجيا ومعه عادت ألاحداث السابقة الى ذهنه, وأدرك في تلك اللحظة ان في الغرفة من ينتظر عودته الى الوعي, فأغلق عينيه قليلا لكي يرتب أفكاره ويكسب بعض الوقت, وأصغى السمع عله يفهم ماذا يريد منه من اختطفه.
كان الضخم الذي صادفه الاستاذ نهاد في القبو يقول – وقد عرفه نهاد من صوته- بنفاذ صبر: "بعدين معو هاد...بدوش يفيق...العمى. هاي عاملناه بلطافة وهيك صار فيو...كيف لو عاملنا زي باقي الزباين..."

رد المسمى بفايز قائلا:

" مهو يا نطاح انت شوي زودتها...قلتلك بلاش القبو وبالعتمة وتفوتلو وانت تزقف..."

نطاح بعصبية: "لوين بدك اخدو يعني....للصالون عندي بالبيت ولا للجاكوزي الي عنا يا هون بالعمارة...ما علينا روح شوفلي يا اذا فاق..واذا ما فاقش شممو هاي شو اسمها...الأكومونيا"

فايز "أمونيا"

نطاح "طيزي..الي هو"

"مفيش داعي انا صحيت" قال الاستاذ نهاد ثم اعتدل على الاريكة وجلس في صمت ينظر الى الاثنين.

احضر نطاح مقعدا ووضعه بجانب الاريكة ثم جلس عليه ورسم ابتسامة عريضة وقال بصوت اراده مطمئنا "متكونش زعلان علينا هه يا استاذ...سوء تفاهم بسيط. انت عنا ضيف مش محتجز"

"يعني بقدر أروح؟" سأل نهاد بمرارة

"يعني اذا مش حابب تخدم وطنك... بتقدر تروح. حابب تروح؟" سأل نطاح بصرامة

"انا بالخدمة....شو المطلوب"

"اول شي بعرفك عا حالي...انا الرائد نطاح المطايزة وهذاك فايز مساعد ايدي الايمن. تاني شي انا محتاجك عشان مهمة سرية بتتعلق بمصلحة البلد. نحنا بحاجة لقدراتك كأستاذ كبير وشاعر مخرضم"

"مخرضم؟!!"

فايز "مخضرم"

نهاد ينظر لنطاح بقلق ويهز برأسه "ايوا.. ايوا"

أكمل نطاح " مهرجان الشعر الاول في فلسطين....أكيد سمعت فيه"

نهاد "طبعا وأنا مدعو لعرافة ورشة العمل في اليوم الثاني بخصوص "الوجدانية في زمن انتفاء المدرسة الوجودية"

نطاح: " يا سلام....رهيب يا استاذ. رهيب. انا رح أكون معك بصفتي ضيفك الشخصي كشاعر واعد من تلامذتك"

هز الاستاذ نهاد رأسه نفيا "ولا يمكن....هاي فضيحة...متأخذنيش بس واضح انو انت مش ضليع بالشعر وأكيد مش الشعر الحديث. انا بتبهدل..لا"

اقترب نطاح من الاستاذ نهاد وقال له ببطء شديد ضاغطا على مخارج الكلمات "بتعرف القبو الي كنت في تحت شو بسمو؟....الملحمة....فايز بقلي انو برضو في ملاحم بالشعر...مضبوط فايز؟"

"تمام سيادتك" رد فايز مبتسما

" معناتو انا ضليع بالملاحم المش شعرية...وانت استاذ ضليع بالملاحم الشعرية...بتحب انو....؟"

انهار نهاد على ركبتيه وهمس "لا دخيلك تكملش... بلاش الملاحم المش شعرية...انت بتكون ضيفي" لكنه أردف "بس اسف يعني...عندك معلومات عن الشعر؟...بتقدر تدير حديث ولو بسيط عن الشعر؟"

لمعت عينا نطاح "هون بيجي دورك استاذ....عندك 25 يوم بالتمام والكمال علشان تحولني لأدوربيس جديد؟"

"مين؟!!!"

فايز "أدونيس"

قال الاستاذ نهاد بيأس "ايوا.. ايوا أدوربيس" ثم وضع رأسه بين كفيه.

بعد قليل غلبه فضوله فسأل " ما قلتوليش ليش هالاهتمام بمهرجان الشعر؟"

رد نطاح " تعال نقول انه مش مهرجان شعر بريء وانه على الاقل هناك مشارك عنده نية مخفية من وراء الشعر والقافية... "

ثم ادار ظهره واتجه الى النافذة وعقد كفيه وراء ظهره كعادته عندما يرغب ان تترك كلماته الاثر المرغوب

"لكن على مين.....على مين يا شاعر الغبرة؟"



-- تمت--



الحلقة القادمة:

"وقع الاناء على الطريق"

الاثنين، 16 مارس 2009

المغامرة رقم 2 - براعة القائد في مهرجان القصائد



بينما كان الرائد نطاح المطايزة يعاين قائمة المأكولات المتسخة بالغبار والشحبار في أحد مطاعم رام الله الشعبية, وقبل أن يقرر ماذا يريد أن يأكل, وضع الصبي النادل صحنا بلاستيكيا متئاكلا في داخله باجيت شاورما ملفوف بورق أبيض, كانت طحينة رمادية ولزجة تسيل منه ببطء وتحتل حيزا أوسع وأوسع من الصحن..

رفع نطاح رأسه عن القائمة وأستقرت عيناه بفضول على وجه الصبي الذي نظر اليه بدوره وابتسم, ثم غمزه وعاد أدراجه الى المطبخ ليتابع عمله.

عقب هذا التطور المفاجيء بدأت الافكار تتسارع في ذهن نطاح. هل يمكن ان الادارة بدأت تتبع أسلوبا جديدا في الاتصال مع ظباط العمليات الخاصة عبر رسائل سرية كما شاهد في فيلم "مهمة مستحيلة" مؤخرا. لا بد ان يكون الامر كذلك خاصة في الاوضاع الراهنة....لكنهم لم يخبروه بتغيير الاجراءات والاهم من ذلك هو على موعد مع العقيد جواد المسمار في هذا المطعم للاطلاع على تفاصيل المهمة القادمة...

من جهة اخرى لماذا يخبروه وهم يفترضون انه سيستوعب الامر دون بلاغ مسبق...أليس من صفات رجل الامن الموهوب الارتجال واتخاذ قرارات مفصلية وفقا لتطورات قد تحدث دون أي سابق إنذار...

إذن فالعقيد جواد المسمار يمتحن قدرته على التأقلم والارتجال رغم انه اثبت قدرته وبراعته عشرات المرات..."لكن لا بأس" قال لنفسه " لنرى ما هي المهمة الجديدة"...

مزق نطاح الورق من على الباجيت بسرعة ثم فتحه ورفعه الى أعلى محاولا سبر داخله والعثور على ورقة او على تسجيل الكتروني يدمر نفسه تلقائيا بعد 30 ثانية من سماعه, لكنه لم يجد شيئا فبدأ في نبش محتويات الباجيت بأصابعه التي أتسخت كلها بالشاوارما والسلطة والطحينة وعندما لم يجد شيئا ايضا بدأ يقلق ولم يجد مناصا من افراغ محتويات الباجيت على الطاولة بسرعة محاولا منع نفسه من التفكير "هناك من سرق الرسالة....لا بد انه الصبي...انها مؤامرة..مؤام.."



"شو عم تعمل يا حيوان؟... " قاطع صوت مألوف غاضب حبل أفكار نطاح فرفع رأسه واذ بالعقيد جواد وافقا ينظر اليه بدهشة وغضب وبجانبه الصبي الذي أحضر الباجيت...

قفز نطاح من مكانه صارخا " حاضر سيدي" رافعا يده بالتحية العسكرية

إحمر وجه العقيد المسمار " ولك نزل ايدك شو عم تعمل يا حيوان فضحتنا..." ثم خفض صوته "قلتلك هاي مهمة سرية...عشان هيك جينا هون...ليش عم بتعبص بالباجيت كنت؟"

"مهو الولد هاد جابلي الباجيت وأنا مكنتش طالب لسه"

كظم العقيد غيظه " ومخطرش ببالك يا بغل انو انا شريت الباجيت وبعثتو للطاولة قبل ما اجي"

أطرق نطاح نظره ثم قال "ما كنش لازم تغلب حالك سيادة العقيد...يسلمو ايديك"

"شريتو إلي مش إلك يا حمار...دغري بتشوف أكل بتصير بدك توكلو...الله يسد نفسك يا شيخ مع انو بشك انو بقدر ...خلاصته خلينا نحكي بالشغل" ثم أومأ الى الفتى ان ينظف الطاولة ففعل وهو يكافح نوبة من الضحك ثم أنصرف.

بعد انصراف الفتى جلس العقيد على الطاولة ونظر في عيني نطاح مباشرة ثم قال ببطء وهو يضغط على الاحرف ليبدو ما يقوله أكثر أهمية:

"بتعرف قصائد؟"

قرب نطاح رأسه ونظر يمنة ويسرة ثم قال بصوت منخفض :

"مين هاي قصائد ومن وين؟ بجيبلك خبرها سيدي ولا يهمك"

"الله يوخدك" قال العقيد ووجهه أخذ في الاحتقان "قصائد شعر يا بجم....شعر...أشعار...قصائد جمع قصيدة"

"اه طبعا قصدك قصائد شعرية....بعرف كام قصيدة زي "حنا زغير"..."يلا تنام ريما"...."

"حنا صغير ويلا تنام ريما؟؟!!! ناقص تقولي "ماما زمانها جاية"....ما علينا... لازم تتعلم قصائد عربية خلال 30 يوم للمهمة القادمة...خلال 30 يوم بدي ياك تصير موسوعة أدب عربي وبالاخص شعر..."

"شو علاقة الشعر بالمهمة؟" سأل نطاح بذهول

قال العقيد بصوت عميق "سمعت مرة بحميم المخروطي؟"

"هدا الي ربح ال ستار أكاديمي؟"

"مالك نطاح اليوم؟ كأنك تركت عقلك في البيت وأجيتني هون عشان تفرسني؟ شو ستار أكاديمي هاي؟ حليم المخروطي هو الي ربح برنامج "شاعر من غير مشاعر"...عرفت مين؟

"المزبوط بتابعش هيك برامج"

" مش مهم...هذا حميم المخروطي رح يجي لهون بعد 30 يوم علشان يشارك في مهرجان القصيدة الاول في فلسطين....نحنا منشك انو عميل لجهة أجنبية وانو رح يستغل فرصة مهرجان القصائد علشان يعمل اتصال مع جهات هون ...مهمتك هي الاقتراب منه وخلق صداقة متينة معه تسمح لك بمراقبته 24 ساعة ومعرفة الجهات التي قد تتصل به اثناء تواجده هنا...هاي المهمة حساسة جدا وتحتاج الى مهارات أخرى غير الي بتستعملها عادة...بدها عضلات مخ...بتقدر عليها نطاح ولا اعطيها لحدا تاني؟..."

"ولو سيادة العقيد....نحن لها"

"ماشي...وحدة البحث حضرتلك ملف مع كافة التفاصيل الشخصية عن حميم الي رح تساعدك في انشاء صداقة معه...أطباعه, معتقداته, ذوقه في النسوان وفي الاكل وفي الشعر الخ الخ....أدرسه منيح وأستعد...بنصحك تستعين بمدرس أدب وأشعار لهاي المهمة...هاي مهمة مختلفة..مهمة تحتاج براعة مختلفة...علشان هيك قررنا نسمي هذا الملف: "براعة القائد في مهرجان القصائد"...سلامات"






قال العقيد المسمار كلماته هذه ونهض عن الطاولة واستدار بعنفوان فتطاير معطفه الشتائي وتمايل في الهواء ساحبا معه من فوق الطاولات بعض قطع الخيار والطماطم وبعض الطحينة...

"لازم أشتري هيك جاكيت..." قال نطاح وهو ينظر نظرة اعجاب شديد الى العقيد الذي غاب في الزحام خارج المطعم..

فتح نطاح الملف ونظر الى الصور الشخصية لحميم, ثم رفع هاتفه النقال واتصل بفايز ابو خشبة أحد اعضاء طاقمه وقال له " فايز...وينك؟ بدي ياك تيجي عالمكتب علشان تقرألي ملف...هلأ هلأ فورا...صحيح قولي فايز...كيف انت والشعر؟...عن جد؟!!!...خلص فايز فايز مقلتلكش تطرشني تلقي علي قصيدة.. سألتك اذا بتعرف...بتعرف ؟.. ممتاز لكان...تعال عالمكتب فورا..."

ما أن أطمئن الى وجود من يساعده في هذه المهمة, حتى تنفس نطاح الصعداء, ثم قام عن الطاولة وذهب الى اتجاه المخرج لكنه انعطف الى المطبخ في طريقه حيث وجد الصبي هناك, فلكمه في بطنه ثم انهال عليه ببعض الركلات بعد ان وقع على الارض.

بعد ان انتهى من تأديب الصبي أصلح نطاح هندامه ووضع الملف تحت أبطه ثم خرج الى الشارع وبدأ في المشي مسرعا الى المكتب محاولا تذكر بعض الابيات التي تعلمها في الماضي...

كيف كانت بداية القصيدة...اهه تذكر:

"مكركر مفرور مقبل دبور معا...... فما الحب الا للحبيب الاول"


لا بأس قال في نفسه...ليس الامل مفقودا تماما إذن

وأسرع من خطواته مدركا ان عامل الوقت يلعب دورا مهما في هذه المهمة

بل دورا حاسما




* * *

" تم الجزء الاول"

قريبا: الجزء الثاني - النية الخافية وراء نظم القافية

الأربعاء، 11 مارس 2009

مغامرة رقم 1 – شرارة في دوار المنارة



كل التقارير الاستخباراتية التي توقعت إشتعال مظاهر الاحتجاج في الضفة الغربية عقب العدوان على غزة أشارت الى دوار المنارة, القلب النابض لمدينة رام الله, كالمكان المتوقع لحدوث الشرارة التي قد تشعل الاوضاع. بناء عليه وبعد أجتماع "عصف ذهني " مطول للخبراء من مختلف الاذرع الامنية وبعد تخبطات عديدة وتفعيل القدرات الابداعية للمشتركين في الاجتماع, تم الاتفاق على اسم مبتكر ومناسب للعملية التي ستواجه هذا الخطر الداهم على أمن وسلامة الجمهور: عملية "شرارة في دوار المنارة".



وقد أجمع المجتمعون أن هناك رجلا واحدا فقط يستطيع القيام بهذه المهمة الجسيمة والخطرة....

الرائد نطاح المطايزة

********************************************


في ذلك اليوم الغائم وبينما كان الناس في رام الله يقبعون امام التلفاز يتابعون أخر أخبار العدوان على غزة, كانت ثلة من أهم رجال الأمن الفلسطينيين منتشرة في دوار المنارة بشكل قد يبدو لاول وهلة عشوائيا, لكنه كان في حقيقة الامر وفقا لترتيب دقيق خططت له وحدة منع أعمال الشغب في وزارة الامن الداخلي غير المقالة...

كان اعضاء القوة مزودين بأجهزة إتصال متطورة هي عبارة عن سماعة في الاذن وميكروفون صغير في كم القميص...وكان على أعضاء القوة تقديم تقرير كل 5 دقائق عن التطورات في الموقع...

فهمي المنشار: من عين 1 الى مخ 1....ما بدكم توكلو؟ خورت جوع


سعيد المفك: من عين 2 الى عين 1...يا زلمة مبتشبعش؟ قبل شوي اكلنا شوارما


فهمي: من عين 1 لعين 2 ...ياخي جوعان انا شو أعملك...


أبو العبد: من عين 3 لأول عينتين...بلاش نقاشات فردية وركزوا بالمهمة


فهمي: أبو العبد عيرنا سكوتك بشرفك...لسه قبل شوي تركت موقعك ورحت ع "عميد الشاورما" وأنا شفتك بعيني


أبو العبد: من عين 3 لعين 1...كذاب بنص عينك...أنا بحياتي ما تركت موقع وأكيد مش عشان رغيف شاورما


فهمي: لا والله انت الكذاب ابو العبد... وانا في تقريري رح اذكر هذا التخاذل في اداء مهمتك


أبو العبد: متخاذل؟ ولك أنا متخاذل يا حيوان...ولك بتستحيش..أنا بربيك

سعيد المفك: من عين 2 لفهمي وأبو العبد...استهدوا بالله يا جماعة

سعيد المفك: من عين 2 لمخ 1 ...الحق سيادة الرائد هدول الاتنين داقين ببعض في نص الدوار

سعيد المفك: نطاح...ولك نطاح وينك؟

في منتصف الدوار اشتعلت معركة حامية الوطيس بين المنشار وابو العبد بينما حاول سعيد المفك وزكريا الشاكوش وفايز ابو خشبة فض الصراع الذي تجمهر الناس حوله.

في تلك الاثناء كان الرائد المطايزة عائدا من دوار الساعة بعدما يأس من ملاحقة فتاة أجنبية ذات حسن كان من سوء حظها أن سألته عن مقهى "الكت كات" فظن انها أضاعت قطتها, فأحتار كيف يطمئنها انه سيساعدها لكن ذكاءه اللامع أوحى اليه فنظر اليها مباشرة ثم قال بصوت عال: "مياوووو " ثم أشار بيده ان تلحقه واستدار ليمشي لكنها لم تتبعه بل بدأت تمشي بسرعة في الاتجاه المعاكس, فما كان من نطاح الشهم الا ان لحقها في الشارع مناديا "ميياااااوووو" بين البرهة والاخرى وهو مندهش لردة فعلها...الى ان تذكر حين وصل الى دوار الساعة انه في مهمة رسمية وانه لا يملك وقتا لناكرة الجميل تلك..

في طريق العودة انتبه نطاح ان سماعته - التي وقعت من اذنه اثناء ملاحقته للفتاة - تصدر اصواتا عالية مشوشة, فأعاد وضعها في اذنه ولكن يا لهول ما سمع من شتائم والفاظ نابية يتبادلها أعضاء القوة فأدرك الموقف...
كان على نطاح الان ان يتحرك بسرعة فلقد كانت أمانته وقدرته على تنفيذ المهام وبالتالي مستقبله المهني على المحك, لكنه حافظ على رباطة جأشه وهدوء أعصابه, وأمعن في التفكير الى ان وصل الى حل مناسب...

وعندما يصل نطاح الى حل يكون التنفيذ مجرد مسألة وقت...

رفع نطاح تلفونه ثم اتصل بقائد قوات التدخل السريع التي كانت متأهبة في مكان قريب وقال له: "قم بهجوم فوري وعنيف على المتشاجرين في المنارة واعتقلهم جميعا مع عدد من المتفرجين القريبين من دائرة الشجار"

رد قائد القوة : " لكن سيادة الرائد هؤلاء المتشاجرون من قوات الامن ولا..."

قاطعه نطاح: "إفعل ما قلته لك فورا...أريد ان يكون التدخل عنيفا قدر الامكان وخاصة ضد المتشاجرين وزملائهم من اعضاء القوة"


نفذ قوات التدخل السريع الاوامر بحذافيرها وكانت النتيجة بعض الكسور والرضوض التي أصابت أعضاء القوة والتي نقلوا على اثرها لمستشفى رام الله الحكومي حيث قبعوا تحت العلاج متأكدين من فصلهم عن عملهم بعد تماثلهم للشفاء خاصة بعد أن قرأوا في جريدة القدس والايام ان قوات الامن الفلسطينية قامت بتفريق بعض التظاهرات المخلة للنظام بيد من حديد.



ووصل خجلهم وخوفهم ذروته حين لمحوا قائدهم المحبوب نطاح يدلف بهدوء الى غرفتهم وهو يحمل ملفاتهم ويقف بهدوء أمام أسرتهم ثم ينظر في أعينهم مباشرة...ثم يقول ببطء: مبروك...

لم تتناسب الكلمة التي قالها مع الموقف فبدأ ابو العبد بالبكاء لانه ظن ان نطاح يسخر منه ويبارك له بالاقالة وقال باكيا: من وين اطعم ولادي...الله يلعنك يا حماس يا سبب المصايب...الله ريتك تموت يا هنية

نظر اليه نطاح مستغربا: مالو انهبل هاد؟....بقولكو مبروك...في ترقية لكامل اعضاء القوة ودرع تقدير من وزير الداخلية نفسه

نظر اليه الجميع مستغربين وكان الشاكوش أول من سأل: تقدير على شو؟

ابتسم نطاح ورمى لابو فايز الخشبة بورقة ثم أومأ له ان يقرأها ففعل الاخير:

"تقرير قائد قوات حفظ النظام في وزارة الامن الداخلي بخصوص عملية "شرارة في دوار المنارة" الى سيادة الوزير,

بعد ثلاثة ايام من الترقب دون حدوث أي أعمال شغب في دوار المنارة, قرر قائد القوة الرائد المطايزة تنفيذ عملية وقائية مانعة تمثلت في افتعال شجار بين اعضاء القوة في الدوار ومن ثم اصدار الاوامر الى قوات التدخل السريع بقمع هذا الحدث واستعمال القوة المفرطة للايحاء للجمهور العريض بالعواقب الوخيمة التي ستحدث لمن يقوم بأي عمل مخل للنظام ايا كان.

وقد اتفق اعضاء القوة على أهمية اقتناع الجمهور ب"واقعية" الحدث وبرهنوا على مدى اخلاصهم وتفانيهم عبر التطوع بتعريض اجسادهم لضربات قوات التدخل السريع منعا لاي اصابات غير ضرورية بين صفوف الجمهور.

تشير التقارير الاستخبارية ان هذه العملية الوقائية قد أضعفت بشكل ملحوظ جاهزية عوامل وأطر للقيام بأعمال مخلة للنظام خاصة في اوساط مؤسسات غير حكومية وما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني.

ازاء هذه القدوة الحسنة التي ابداها اعضاء القوة وقائدها الفذ نوصي بترقية اعضاء القوة ومكافأتهم وفقا لما يرتأيه سيادة الوزير مناسبا ...
تحية الوطن والامن
العقيد جواد المسمار "


لم يستطع اعضاء القوة منع انفسهم من النظر بإعجاب الى قائدهم العبقري الذي بوركت فلسطين بأمثاله بينما نظر نطاح اليهم وقال جملة مأثورة رنت في اذانهم:

" اسهل شرارة تطفيها...هي الشرارة الي انت بتولعها"

ثم غمز بعينه واقترب من نافذة الغرفة ناظرا الى احياء رام الله التي كانت ممتدة أمام عينيه...

وفي متناول قبضته تماما





** تمت **

قريبا

المغامرة رقم 2: "براعة القائد في مهرجان القصائد"

الأحد، 1 مارس 2009

نطاح المطايزة - بطاقة تعريف





كل شعب يمر في أزمة أو يقبع تحت الظلم يحتاج الى بطل يسطر رواية شعبه بأحرف من ذهب في كتاب التاريخ ويكون قدوة ومثالا يحتذي به أبناء وبنات عصره ويتشبثون بأفعاله المشرفة وصموده حتى ينقشع الضباب ويبان النور ساطعا في اخر النفق.

يكبر الاطفال على سيرة هذا البطل, ويرد لفظ إسمه دائما في اوقات الضيم, خافتا على لسان من يذكرونه بينهم وبين نفسهم ليستمدوا القوة والثبات, وعاليا – عندما تحين اللحظة التاريخية – عاليا في حناجر الجماهير التي تغمر الشوارع كي تقول لا للظلم...لا للإستبداد...لا للإحتلال

ويبقى طيفه يرفرف دائما مع العلم وفي جوارح الامة بعد تحقيق النصر...

هكذا كان مع وليام والاس أسكتلندا....
هكذا كان مع جان دارك فرنسا...
جميلة بو حيرد الجزائر...
عمر مختار ليبيا...
وأدهم صبري (رجل المستحيل) مصر...

وفلسطين ليست أقل من غيرها

ففي هذا الظرف الفلسطيني التاريخي الحالك هي لم تعدم أبنها البار وبطلها المغوار

هو هنا يعيش ويعمل بيننا بينما تكتب هذه السطور

يعمل في الخفاء وفي الجهر أحيانا

رجل صقلته التجربة فشع معدنه الكريم والاصيل

رجل المهام الصعبة

رجل نادر في زمان غادر

رجل السلطة الفلسطينية الاول


المطايزة...

نطاح المطايزة







نطاح المطايزة – سيرة ذاتية:


نطاح جونا تان أحمد المطايزة رجل أمن فلسطيني لامع برتبة رائد رغم انه لم يكمل الخامسة والعشرين من عمره بعد.

ترعرع في أحدى عصابات الزعران في احدى مدن الضفة الغربية, وعرف عنه ميله الشديد للعنف والشجار منذ نعومة أظفاره ومثابرته على التحرش بالفتيات في الحيز العام حتى وقوع الحادثة الشهيرة التي سئمت فيها فتاة من ألفاظه فحشت شمسيتها في مكان ما لا نستطيع ذكره خوفا من خدش الحياء العام*.


في جيل السادسة عشرة وبعد ان لم يستطع جمع قوته من أي مهنة, انخرط في أحد اجهزة الامن كمساعد محقق وكانت وظيفته تعذيب المعتقلين من الفلسطينيين كانوا خصوما سياسيين او شخصيين لرؤسائه, وسطع نجمه عاليا بعدما مات العديد من المعتقلين تحت اجراءات "التحقيق" التي نفذها.

استطاع في سنوات قليلة ان يحصل على عدة ترقيات في رتبته كما حصل على أوسمة ودروع عديدة عقب الايادي البيضاء التي اسداها للحفاظ على أمن الدولة الفلسطينية.

نطاح المطايزة هو, بإعتراف خصومه (ومنهم رجال المخابرات الاسرائيلية) قبل أصدقائه, نابغة في المنظومات الأمنية وخاصة محاربة الارهاب الداخلي, إذ انه يمتلك كامل الصفات التي تؤهله ان يؤدي المهام التي تناط اليه على أكمل وجه...

الصبر والتروي الذين اكتسبهما في صغره بعد انتظار ساعات دون عمل خارج مدارس الفتيات...
تياسة البغل التي تسمح له أن ينفذ أوامره وينجز المهمة مهما حصل...
بلادة الجحش مما يحمي شخصه من أية انتقادات أو مسائلة...
إخلاص بلا حدود اتجاه من يؤمن له معيشته...
سادية لا ترحم خاصة تجاه خصوم اسياده...

أمي لا يفك الحرف, حاصل على شهادة التوجيهي بأمتياز جزاء أمانته في اداء عمله, ومرشح حاليا للحصول على شهادة الماجستير في موضوع القانون الدستوري من احدى الجامعات الفلسطينية, بتمويل من السلطة.

لقد أجمع الكل انه من غير المعقول أن تنشأ مثل هذه الشخصية الفذة إلا في بيئة سياسية وإجتماعية مريضة ومشوهة,

ولقد نشأت حقا...

رجل أمن مرهوب

بلطجي موهوب

كائن لم تعرفه الشعوب الرازحة تحت الاحتلال من قبل,


نتاج أوسلو المباشر


انه نمرود فلسطين المتجبر

انه...

نطاح المطايزة

*********************************************


* ينفي نطاح الرواية السائدة لهذه الواقعة بشدة ويدعي ان الفتاة اعطته الشمسية, فارتكأ عليها فزلت قدمه وحصلت الاصابة المؤسفة في المكان المؤسف.



** قريبا: المغامرة رقم 1: شرارة في دوار المنارة