الخميس، 24 مارس 2016

سيارتي الحمراء وحصان ريتشارد



"حصان, حصان, مملكتي كلها مقابل حصان"


هذه المقولة الشهيرة من مسرحية شكسبير "ريتشارد الثالث", حيث ينادي الملك ريتشارد, الطاغية القاتل, الاحدب المشوه خلقيا, في خضم المعركة الاخيرة وهو مصاب, يبحث عن حصان للهروب من الهزيمة والموت. في قراءة  مختلفة لهذه المسرحية, قدم مخرج مشهدا افتتاحيا يمثل ريتشارد المشوه وهو صغير, يلعب بحصان خشبي, فيأخذه منه الاولاد حوله ويتقاذفونه فوق ريتشارد, الذي لا يستطيع استرداده لانه احدب, ويسخر الاولاد منه  ومن جسده. هذه السخرية القاتلة, هي الدافع الخفي لوحشية ريتشارد اثناء حكمه, ورغبته في اثبات ذاته بأي طريقة كانت, والتعويض عن عطبه الجسدي وتنكيل المجتمع به.  

بينما يستجدي ريتشارد حصانا في المشهد الاخير, ما بين الواقع والهذيان, يخصص المخرج زاوية منفصلة على الخشبة يبدو فيها الاولاد وهم  يتقاذفون الحصان فوق ولد صغير احدب, يحاول ان يقفز اعلى ما يستطيع ليسترد حصانه فلا يقدر,  بينما يستمر صراخ ريتشارد الثالث: "حصان, حصان, مملكتي كلها مقابل حصان".

لو كان هناك من ارجع الحصان لريتشارد الصغير, او من دعمه في وجه تنكيل المجتمع به, هل كان ريتشارد سيستغل قدراته الرهيبة في حياة افضل؟

اصابني فلاشباك اثر هذا المشهد, ورجعت لحادثة اثرت في نفسي وطبعت في ذاكرتي. فزت في الصف التمهيدي او الاول بسيارة حمراء في علبة بلاستيكية, طرت فيها حقا (لم يكن لدينا حينئذ وفرة وتنوع الالعاب الى حد التخمة كما هو اليوم), وأخذتها لالعب فيها في الخارج. مر بعض الاولاد الاكبر سنا فأخذوها مني, فرجعت باكيا الى البيت. عندما أكتب هن هذه الذكرى حتى اليوم تدمع عيوني بشكل لا ارادي, واحس بشعور الحنق والقهر حقيقيا. ليست هذه التجربة اسوأ ما مررت به في حياتي طبعا, لكنها التجربة الاولى بشعور العجز والضعف التي اذكرها. اظن ان كرهي للظلم ولسلب الاخرين قد تشكل ايضا بسبب هذه الذكرى, وأدهش كل مرة من قوة تأثير هذه الذكريات على التشكيل النفسي لأي انسان, وتصوره لنفسه.

كم من المهم ان ندعم الاطفال, نحترمهم,  ونشعرهم بالامان والدعم, بالاخص بعد تجربة الفقدان,
وكم من ملايين الاطفال العرب يفتقدون حصانهم الخشبي