الاثنين، 16 مارس 2009

المغامرة رقم 2 - براعة القائد في مهرجان القصائد



بينما كان الرائد نطاح المطايزة يعاين قائمة المأكولات المتسخة بالغبار والشحبار في أحد مطاعم رام الله الشعبية, وقبل أن يقرر ماذا يريد أن يأكل, وضع الصبي النادل صحنا بلاستيكيا متئاكلا في داخله باجيت شاورما ملفوف بورق أبيض, كانت طحينة رمادية ولزجة تسيل منه ببطء وتحتل حيزا أوسع وأوسع من الصحن..

رفع نطاح رأسه عن القائمة وأستقرت عيناه بفضول على وجه الصبي الذي نظر اليه بدوره وابتسم, ثم غمزه وعاد أدراجه الى المطبخ ليتابع عمله.

عقب هذا التطور المفاجيء بدأت الافكار تتسارع في ذهن نطاح. هل يمكن ان الادارة بدأت تتبع أسلوبا جديدا في الاتصال مع ظباط العمليات الخاصة عبر رسائل سرية كما شاهد في فيلم "مهمة مستحيلة" مؤخرا. لا بد ان يكون الامر كذلك خاصة في الاوضاع الراهنة....لكنهم لم يخبروه بتغيير الاجراءات والاهم من ذلك هو على موعد مع العقيد جواد المسمار في هذا المطعم للاطلاع على تفاصيل المهمة القادمة...

من جهة اخرى لماذا يخبروه وهم يفترضون انه سيستوعب الامر دون بلاغ مسبق...أليس من صفات رجل الامن الموهوب الارتجال واتخاذ قرارات مفصلية وفقا لتطورات قد تحدث دون أي سابق إنذار...

إذن فالعقيد جواد المسمار يمتحن قدرته على التأقلم والارتجال رغم انه اثبت قدرته وبراعته عشرات المرات..."لكن لا بأس" قال لنفسه " لنرى ما هي المهمة الجديدة"...

مزق نطاح الورق من على الباجيت بسرعة ثم فتحه ورفعه الى أعلى محاولا سبر داخله والعثور على ورقة او على تسجيل الكتروني يدمر نفسه تلقائيا بعد 30 ثانية من سماعه, لكنه لم يجد شيئا فبدأ في نبش محتويات الباجيت بأصابعه التي أتسخت كلها بالشاوارما والسلطة والطحينة وعندما لم يجد شيئا ايضا بدأ يقلق ولم يجد مناصا من افراغ محتويات الباجيت على الطاولة بسرعة محاولا منع نفسه من التفكير "هناك من سرق الرسالة....لا بد انه الصبي...انها مؤامرة..مؤام.."



"شو عم تعمل يا حيوان؟... " قاطع صوت مألوف غاضب حبل أفكار نطاح فرفع رأسه واذ بالعقيد جواد وافقا ينظر اليه بدهشة وغضب وبجانبه الصبي الذي أحضر الباجيت...

قفز نطاح من مكانه صارخا " حاضر سيدي" رافعا يده بالتحية العسكرية

إحمر وجه العقيد المسمار " ولك نزل ايدك شو عم تعمل يا حيوان فضحتنا..." ثم خفض صوته "قلتلك هاي مهمة سرية...عشان هيك جينا هون...ليش عم بتعبص بالباجيت كنت؟"

"مهو الولد هاد جابلي الباجيت وأنا مكنتش طالب لسه"

كظم العقيد غيظه " ومخطرش ببالك يا بغل انو انا شريت الباجيت وبعثتو للطاولة قبل ما اجي"

أطرق نطاح نظره ثم قال "ما كنش لازم تغلب حالك سيادة العقيد...يسلمو ايديك"

"شريتو إلي مش إلك يا حمار...دغري بتشوف أكل بتصير بدك توكلو...الله يسد نفسك يا شيخ مع انو بشك انو بقدر ...خلاصته خلينا نحكي بالشغل" ثم أومأ الى الفتى ان ينظف الطاولة ففعل وهو يكافح نوبة من الضحك ثم أنصرف.

بعد انصراف الفتى جلس العقيد على الطاولة ونظر في عيني نطاح مباشرة ثم قال ببطء وهو يضغط على الاحرف ليبدو ما يقوله أكثر أهمية:

"بتعرف قصائد؟"

قرب نطاح رأسه ونظر يمنة ويسرة ثم قال بصوت منخفض :

"مين هاي قصائد ومن وين؟ بجيبلك خبرها سيدي ولا يهمك"

"الله يوخدك" قال العقيد ووجهه أخذ في الاحتقان "قصائد شعر يا بجم....شعر...أشعار...قصائد جمع قصيدة"

"اه طبعا قصدك قصائد شعرية....بعرف كام قصيدة زي "حنا زغير"..."يلا تنام ريما"...."

"حنا صغير ويلا تنام ريما؟؟!!! ناقص تقولي "ماما زمانها جاية"....ما علينا... لازم تتعلم قصائد عربية خلال 30 يوم للمهمة القادمة...خلال 30 يوم بدي ياك تصير موسوعة أدب عربي وبالاخص شعر..."

"شو علاقة الشعر بالمهمة؟" سأل نطاح بذهول

قال العقيد بصوت عميق "سمعت مرة بحميم المخروطي؟"

"هدا الي ربح ال ستار أكاديمي؟"

"مالك نطاح اليوم؟ كأنك تركت عقلك في البيت وأجيتني هون عشان تفرسني؟ شو ستار أكاديمي هاي؟ حليم المخروطي هو الي ربح برنامج "شاعر من غير مشاعر"...عرفت مين؟

"المزبوط بتابعش هيك برامج"

" مش مهم...هذا حميم المخروطي رح يجي لهون بعد 30 يوم علشان يشارك في مهرجان القصيدة الاول في فلسطين....نحنا منشك انو عميل لجهة أجنبية وانو رح يستغل فرصة مهرجان القصائد علشان يعمل اتصال مع جهات هون ...مهمتك هي الاقتراب منه وخلق صداقة متينة معه تسمح لك بمراقبته 24 ساعة ومعرفة الجهات التي قد تتصل به اثناء تواجده هنا...هاي المهمة حساسة جدا وتحتاج الى مهارات أخرى غير الي بتستعملها عادة...بدها عضلات مخ...بتقدر عليها نطاح ولا اعطيها لحدا تاني؟..."

"ولو سيادة العقيد....نحن لها"

"ماشي...وحدة البحث حضرتلك ملف مع كافة التفاصيل الشخصية عن حميم الي رح تساعدك في انشاء صداقة معه...أطباعه, معتقداته, ذوقه في النسوان وفي الاكل وفي الشعر الخ الخ....أدرسه منيح وأستعد...بنصحك تستعين بمدرس أدب وأشعار لهاي المهمة...هاي مهمة مختلفة..مهمة تحتاج براعة مختلفة...علشان هيك قررنا نسمي هذا الملف: "براعة القائد في مهرجان القصائد"...سلامات"






قال العقيد المسمار كلماته هذه ونهض عن الطاولة واستدار بعنفوان فتطاير معطفه الشتائي وتمايل في الهواء ساحبا معه من فوق الطاولات بعض قطع الخيار والطماطم وبعض الطحينة...

"لازم أشتري هيك جاكيت..." قال نطاح وهو ينظر نظرة اعجاب شديد الى العقيد الذي غاب في الزحام خارج المطعم..

فتح نطاح الملف ونظر الى الصور الشخصية لحميم, ثم رفع هاتفه النقال واتصل بفايز ابو خشبة أحد اعضاء طاقمه وقال له " فايز...وينك؟ بدي ياك تيجي عالمكتب علشان تقرألي ملف...هلأ هلأ فورا...صحيح قولي فايز...كيف انت والشعر؟...عن جد؟!!!...خلص فايز فايز مقلتلكش تطرشني تلقي علي قصيدة.. سألتك اذا بتعرف...بتعرف ؟.. ممتاز لكان...تعال عالمكتب فورا..."

ما أن أطمئن الى وجود من يساعده في هذه المهمة, حتى تنفس نطاح الصعداء, ثم قام عن الطاولة وذهب الى اتجاه المخرج لكنه انعطف الى المطبخ في طريقه حيث وجد الصبي هناك, فلكمه في بطنه ثم انهال عليه ببعض الركلات بعد ان وقع على الارض.

بعد ان انتهى من تأديب الصبي أصلح نطاح هندامه ووضع الملف تحت أبطه ثم خرج الى الشارع وبدأ في المشي مسرعا الى المكتب محاولا تذكر بعض الابيات التي تعلمها في الماضي...

كيف كانت بداية القصيدة...اهه تذكر:

"مكركر مفرور مقبل دبور معا...... فما الحب الا للحبيب الاول"


لا بأس قال في نفسه...ليس الامل مفقودا تماما إذن

وأسرع من خطواته مدركا ان عامل الوقت يلعب دورا مهما في هذه المهمة

بل دورا حاسما




* * *

" تم الجزء الاول"

قريبا: الجزء الثاني - النية الخافية وراء نظم القافية

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

زفت فعلا انك فظيع ورائع
كنير حبيت هاي المغامره وانقهرت انه خلصت ولسه بدي استنا الاجزاء القادمه
اه وكمان جوعتني وفتحتلي نفسي على الشوارمااللي مش عارفه وين بدي الاقيها باخر هالليل
يعني عنجد مش منصف الاشي:(
بالانتظار يلا
"أ"

صبحي خطيب يقول...

انا بضم صوتي لـ"أ".. انت مبدع :)

تحياتي

زفت يقول...

ا

سعيد انك احببت القصة

قرري شو بدك إنصاف ولا شوارما

سيمر بعض الوقت قبل ان اكتب الجزء الثاني

شكرا لك

زفت يقول...

مدخن

شفتني بالحزين....اجنن بالحزين

شكرا