السبت، 16 يناير 2010

متعي الصغيرة - في الطريق الى الحانة




كتبت هذه الكلمات قبل 5 سنوات وصادفتها مجددا قبل يومين:


احظى بمعزة مظفر النواب واعتبر نفسي, دون تكليف من احد, نديمه

كيف لا أكون كذلك وقد تركت بصماته الشعرية على جدران حانات القدس. اخرج من الحانة ثملا رخو الأطراف وبالكاد أستطيع المشي, لكن لا أنسى ان أختتم القصيدة في تحد شبه مستحيل لذاكرتي المترنحة ومعدتي الملتمسة اخلاء محتوياتها عنوة بعد ان قسوت عليها مرة أخرى

وقد اضطر الى اعادة بعض اجزاء القصيدة عقب وقوع بعض الاضطرابات البيولوجية التي لا مفر منها عند الافراط في الشرب - دون الدخول في طبيعة هذه الآضطرابات. عندئذ أجد - من باب احترامي لجمهوري (الشلة) الغارق في معمعات الثمالة والبحث اليائس عن مكان خفي للتبول- اقول اني اجد من غير اللا ئق اكمال القصيدة وأعود ادراجي الى البداية وسط عاصفة من "الدعم" المعنوي المنهمر على راسي وعلى القصيدة وصاحبها

دعونا نعود الى البداية

نقترب أنا وأصدقائي من الحانة - لا نحظى" بمتعة" تفتيشنا من قبل حراس واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط اذا ما حالفنا الحظ, وقد لا يحالفنا فيأتيك ذاك الصوت السمج فجأة مخاطبا المجموع والفرد سواء "أنتا - جيب ألهويااا" (أي ابرزالبطاقة)بلكنة سائح وقح و بلهجة آمرة تحمل مزيجا من التحدى الواثق والوقاحة المستندة على يد قابضة على "زناد" الامور. أكاد أقسم أن اللغة لا تقدر أن تتحمل كل هذا العبء

من علمهم التكسير في لغتنا؟ أهناك دليل للكلمات التي يمكن ان تسير الإنسان بواسطتها؟ ايمكن ان تختزل اللغة الى بضع اوامر فتتكلمها بثقة خاتمي علمها؟

هل الإحراج النابع من اللعثمة بلغة لا تعرفها نابع من الادراك بانك على عتبة تاريخ كامل من الحضارة والثقافة لا تريد اهانته أم هي غريزة سائح قد تغيب عندما يتغير المكان والجغرافيا او يتغير المكان والجغرافيا في ذهنك على الاقل؟

من قال لهم ان اللغة العربية تفتح رجليها للجميع؟

حسن, نتحمل كل هذا اكراما للمزاج الرائق واملنا في سهرة تاريخية, خاصة ان

المشرب ليس بعيدا
ما جدوى ذلك
انت كما الإسفنجة تمتص الحانات ولا تسكر

نعم اريد ان امتص الحانات والتهمها بكل حواسي التهاما."تمتص الحانات", هنا تكمن العظمة في الشعر, ليس "تشرب الكؤوس" ولا"تتذوق النبيذ بل "تمتص" وتشفط لانك نهم وبيأس لأن تحس وتشعر بأنك غير نفسك وأنك تعيش غير حياتك. تريد ان تشعر انك ما زلت تشعر وتحس, ان شئت. ولن تشعر بذلك دون تأثير الكحول في دمك لان حياتك مزيج غير معقول من اللهاث وراء سراب يسمى الحياة المثالية او السعادة او الطمأنينة او الثروة او الآخرة وكل يغني على ليلاه.

استنزاف الروح. نعم هي الكلمة التي ابحث عنها. منذ سنين وروحنا تمر في حرب استنزاف تمنعنا من المتعة والابداع والفن والتمتع باللحظة. من حاجز الى عفن في الشوارع الى عطوة بين عائلتين اختلفتا حول المبلغ الائق دفعه مقابل حياة المرحوم الى غزل وقح يفتقر الى أبجديات الجمالية الى "شباب يلاحق الدبابات وشباب يلاحق الفتيات فحسبي الله..." ومن ثم ازدياد اللاصقات التي تحذر الفتيات المتحجبات من مرافقة السافرات الى طعام سيْ يقلى بالزيت العكر وخبر عاجل اعجل من القدر المحتوم واخيرا الى خبر كان.

أقول, استنزاف الروح يحتاج الى رد فعل مضاد بنفس قوة الفعل, وهنا بيت القصيد. تستنزف روحك فلا تعود تشعر, ولكي تستعيد حيوية روحك يجب ان تمتص بشقتيك وتلعق وتعض باسنانك على ما تيسر من متع صغيرة فيكون ذاك ردك. ماذا امتص تسألني؟ هذا بينك وبين ادمانك فقد يكون ذلك ذكر اسم الله عشرة مرات في الخمس دقائق او اليوغا او الاستمناء حتى فقدان القدرة على الوقوف. حر انت كالنحلة في حقل من الورد فاختر أي وردة تشاء. وردتي المفضلة شخصيا هي زجاجة يتبختر عليها يوحنا الماشي, ماركة بلاك ليبل. صاح المهم ان تمتص اقول لك, امتص الحانات أوالمواقف او العقائد التي اعتدت على دخولها هاربا من حياتك واسكر او لا فهذا شأنك. لا احد يملك حكما اخلاقيا نافذا ضد اختيار احدى الامكانيتين.


أقترب من الحانة ويكاد لساني يتذوق الكأس الاولى عن بعد. ترفع اطراف شعيراتي الدموية رؤوسها كأفاع صغيرة تتماوج بتشدق فبل اللدغ في انتظار القطرات الاولى. شعور يعرفه كل مدمن على المتع الصغيرة التي بقيت لنا هنا وهناك.



لنسرع الى الحانة.

هناك تعليقان (2):

أنا مش أنا يقول...

أحببت كثيرا تفسيرك لامتصاص الحانات. هذه القصيدة لمظفر من الأحب علي.
بعدين أنا جاي أسكن بالقدس عن قريب، وين في حانات تستقبل عرب بالقدس وما تحسش حالك محتل بما فيه الكفاية لتعكير مزاج الشرب؟
سلملم
أنا مش أنا ז"ל

زفت يقول...

انا مش انا ما زال

حانات قليلة تبقت في القدس كتلك التي تبحثين عنها

لن افسد عليك متعة الفتيش