في أحد أقبية جهاز المخابرات المركزي في رام الله , وتحت ظلمة داكنة يشوبها بين الفينة والاخرى ضوء متقطع خافت تصدره لمبة متدلية من السقف, كان هناك رجل في الخمسينيات من عمره يحاول الثبات على مقعد خشبي صغير منخفض ليس له مسند للظهر, واضعا رأسه بين يديه ويحاول كل جهده أن لا يبكي خوفا مما ينتظره في هذا المكان الذي ذاع صيته السيئ وصيت القائمين عليه بين الناس.
كان الجلوس على المقعد عذابا اليما بحد ذاته لكن الرهبة مما يمكن ان يحدث والسيناريوهات التي رسمتها مخيلته هي التي جعلت جسده يرتعد ويعرق معا. عقله كان يبحث في جنون عن أي سبب معقول أو حتى ممكن يفسر اختطافه من منزله في ساعات الفجر على يد أجهزة الامن الفلسطينية, هو الذي اتبع في حياته مبدأ "الحيط الحيط ويا رب السترة" وابتعد منذ طفولته عن أي عمل سياسي او حزبي, قبل أو بعد أوسلو.
بين الفينة والاخرى كان يأخذ نفسا عميقا محاولا ضبط انفاسه ثم يزفر "يا رب".
ماذا يمكن ان يكون السبب يا الله?...عصر ذهنه مرة وأخرى وأخرى ولم يجد أي اجابة معقولة فهو لم يتعرض لأي من تلامذته ابناء الشخصيات المهمة في الصف وحرص على التمييز معهم وفقا لسياسة مجلس ادارة المدرسة. كما ان علاقته بكامل المسؤولين بخير وليس له عداوات شخصية مع أي كان. كما ان..
صرير باب القبو قطع عليه حبل أفكاره فنظر بهلع الى جهة الصوت ورأى الباب يفتح قليلا قليلا لكن احدا لم يدخل لدقيقة كاملة. كانت يدا الرجل المحتجز ترجفان بشدة في تلك اللحظة لكن جسده كله بدا يرتجف عندما سمع صوت تصفيق حاد ثم عبر شخص عريض المنكبين حليق شعر الرأس تبعه شخص اخر اقل ضخامة الى الغرفة, وبدءا يمشيان كتفا الى كتف وببطء شديد الى ان وصلا الى الرجل المحتجز الذي بلغ رعبه ذروته حتى خيل اليه ان قلبه التصق بأسفل حنجرته وسيقفز خارج صدره لا محالة وتسمرت عيناه على الضخم الذي عاد الى التصفيق وهو ينظر الى عينيه مباشرة قبل ان ترتسم ابتسامة واسعة على شقتيه ويقول بصوت جهور:
"قم للمعلم وفه التجبيلة كاد المعلم........شو بعدين يا فايز؟ "
استدار الضخم الى رفيقه منتظرا الاجابة بينما كان المحتجز ينظر الى الاثنين نظرة بلهاء وقد سقط فكه السفلي.
"سيادة الرائد...التبجيلا مش التجبيلة...مع انك غيرت في مطلع البيت قليلا...بس برضو حافظت على المعنى العام وروح القصيدة..و"
"فايز...اختصر. شو بعدين؟"
"كاد المعلم ان يكون رسولا سيادتك...." ثم أردف " طبعا سيادتك مش داخلة بالبيت...طبعا..مفهومة هاي"
نظر الرائد الى فايز موبخا ثم استدار ليكمل عجز البيت لكنه لم يستطع, ذلك ان سريالية المشهد فاقت قدرة المحتجز على الاحتمال فسقط من على المقعد على وجهه كلوح من الخشب غائبا عن الوعي.
* * *
بدأ وعي استاذ نهاد المسالمة يعود اليه تدريجيا ومعه عادت ألاحداث السابقة الى ذهنه, وأدرك في تلك اللحظة ان في الغرفة من ينتظر عودته الى الوعي, فأغلق عينيه قليلا لكي يرتب أفكاره ويكسب بعض الوقت, وأصغى السمع عله يفهم ماذا يريد منه من اختطفه.
كان الضخم الذي صادفه الاستاذ نهاد في القبو يقول – وقد عرفه نهاد من صوته- بنفاذ صبر: "بعدين معو هاد...بدوش يفيق...العمى. هاي عاملناه بلطافة وهيك صار فيو...كيف لو عاملنا زي باقي الزباين..."
رد المسمى بفايز قائلا:
" مهو يا نطاح انت شوي زودتها...قلتلك بلاش القبو وبالعتمة وتفوتلو وانت تزقف..."
نطاح بعصبية: "لوين بدك اخدو يعني....للصالون عندي بالبيت ولا للجاكوزي الي عنا يا هون بالعمارة...ما علينا روح شوفلي يا اذا فاق..واذا ما فاقش شممو هاي شو اسمها...الأكومونيا"
فايز "أمونيا"
نطاح "طيزي..الي هو"
"مفيش داعي انا صحيت" قال الاستاذ نهاد ثم اعتدل على الاريكة وجلس في صمت ينظر الى الاثنين.
احضر نطاح مقعدا ووضعه بجانب الاريكة ثم جلس عليه ورسم ابتسامة عريضة وقال بصوت اراده مطمئنا "متكونش زعلان علينا هه يا استاذ...سوء تفاهم بسيط. انت عنا ضيف مش محتجز"
"يعني بقدر أروح؟" سأل نهاد بمرارة
"يعني اذا مش حابب تخدم وطنك... بتقدر تروح. حابب تروح؟" سأل نطاح بصرامة
"انا بالخدمة....شو المطلوب"
"اول شي بعرفك عا حالي...انا الرائد نطاح المطايزة وهذاك فايز مساعد ايدي الايمن. تاني شي انا محتاجك عشان مهمة سرية بتتعلق بمصلحة البلد. نحنا بحاجة لقدراتك كأستاذ كبير وشاعر مخرضم"
"مخرضم؟!!"
فايز "مخضرم"
نهاد ينظر لنطاح بقلق ويهز برأسه "ايوا.. ايوا"
أكمل نطاح " مهرجان الشعر الاول في فلسطين....أكيد سمعت فيه"
نهاد "طبعا وأنا مدعو لعرافة ورشة العمل في اليوم الثاني بخصوص "الوجدانية في زمن انتفاء المدرسة الوجودية"
نطاح: " يا سلام....رهيب يا استاذ. رهيب. انا رح أكون معك بصفتي ضيفك الشخصي كشاعر واعد من تلامذتك"
هز الاستاذ نهاد رأسه نفيا "ولا يمكن....هاي فضيحة...متأخذنيش بس واضح انو انت مش ضليع بالشعر وأكيد مش الشعر الحديث. انا بتبهدل..لا"
اقترب نطاح من الاستاذ نهاد وقال له ببطء شديد ضاغطا على مخارج الكلمات "بتعرف القبو الي كنت في تحت شو بسمو؟....الملحمة....فايز بقلي انو برضو في ملاحم بالشعر...مضبوط فايز؟"
"تمام سيادتك" رد فايز مبتسما
" معناتو انا ضليع بالملاحم المش شعرية...وانت استاذ ضليع بالملاحم الشعرية...بتحب انو....؟"
انهار نهاد على ركبتيه وهمس "لا دخيلك تكملش... بلاش الملاحم المش شعرية...انت بتكون ضيفي" لكنه أردف "بس اسف يعني...عندك معلومات عن الشعر؟...بتقدر تدير حديث ولو بسيط عن الشعر؟"
لمعت عينا نطاح "هون بيجي دورك استاذ....عندك 25 يوم بالتمام والكمال علشان تحولني لأدوربيس جديد؟"
"مين؟!!!"
فايز "أدونيس"
قال الاستاذ نهاد بيأس "ايوا.. ايوا أدوربيس" ثم وضع رأسه بين كفيه.
بعد قليل غلبه فضوله فسأل " ما قلتوليش ليش هالاهتمام بمهرجان الشعر؟"
رد نطاح " تعال نقول انه مش مهرجان شعر بريء وانه على الاقل هناك مشارك عنده نية مخفية من وراء الشعر والقافية... "
ثم ادار ظهره واتجه الى النافذة وعقد كفيه وراء ظهره كعادته عندما يرغب ان تترك كلماته الاثر المرغوب
"لكن على مين.....على مين يا شاعر الغبرة؟"
كان الجلوس على المقعد عذابا اليما بحد ذاته لكن الرهبة مما يمكن ان يحدث والسيناريوهات التي رسمتها مخيلته هي التي جعلت جسده يرتعد ويعرق معا. عقله كان يبحث في جنون عن أي سبب معقول أو حتى ممكن يفسر اختطافه من منزله في ساعات الفجر على يد أجهزة الامن الفلسطينية, هو الذي اتبع في حياته مبدأ "الحيط الحيط ويا رب السترة" وابتعد منذ طفولته عن أي عمل سياسي او حزبي, قبل أو بعد أوسلو.
بين الفينة والاخرى كان يأخذ نفسا عميقا محاولا ضبط انفاسه ثم يزفر "يا رب".
ماذا يمكن ان يكون السبب يا الله?...عصر ذهنه مرة وأخرى وأخرى ولم يجد أي اجابة معقولة فهو لم يتعرض لأي من تلامذته ابناء الشخصيات المهمة في الصف وحرص على التمييز معهم وفقا لسياسة مجلس ادارة المدرسة. كما ان علاقته بكامل المسؤولين بخير وليس له عداوات شخصية مع أي كان. كما ان..
صرير باب القبو قطع عليه حبل أفكاره فنظر بهلع الى جهة الصوت ورأى الباب يفتح قليلا قليلا لكن احدا لم يدخل لدقيقة كاملة. كانت يدا الرجل المحتجز ترجفان بشدة في تلك اللحظة لكن جسده كله بدا يرتجف عندما سمع صوت تصفيق حاد ثم عبر شخص عريض المنكبين حليق شعر الرأس تبعه شخص اخر اقل ضخامة الى الغرفة, وبدءا يمشيان كتفا الى كتف وببطء شديد الى ان وصلا الى الرجل المحتجز الذي بلغ رعبه ذروته حتى خيل اليه ان قلبه التصق بأسفل حنجرته وسيقفز خارج صدره لا محالة وتسمرت عيناه على الضخم الذي عاد الى التصفيق وهو ينظر الى عينيه مباشرة قبل ان ترتسم ابتسامة واسعة على شقتيه ويقول بصوت جهور:
"قم للمعلم وفه التجبيلة كاد المعلم........شو بعدين يا فايز؟ "
استدار الضخم الى رفيقه منتظرا الاجابة بينما كان المحتجز ينظر الى الاثنين نظرة بلهاء وقد سقط فكه السفلي.
"سيادة الرائد...التبجيلا مش التجبيلة...مع انك غيرت في مطلع البيت قليلا...بس برضو حافظت على المعنى العام وروح القصيدة..و"
"فايز...اختصر. شو بعدين؟"
"كاد المعلم ان يكون رسولا سيادتك...." ثم أردف " طبعا سيادتك مش داخلة بالبيت...طبعا..مفهومة هاي"
نظر الرائد الى فايز موبخا ثم استدار ليكمل عجز البيت لكنه لم يستطع, ذلك ان سريالية المشهد فاقت قدرة المحتجز على الاحتمال فسقط من على المقعد على وجهه كلوح من الخشب غائبا عن الوعي.
* * *
بدأ وعي استاذ نهاد المسالمة يعود اليه تدريجيا ومعه عادت ألاحداث السابقة الى ذهنه, وأدرك في تلك اللحظة ان في الغرفة من ينتظر عودته الى الوعي, فأغلق عينيه قليلا لكي يرتب أفكاره ويكسب بعض الوقت, وأصغى السمع عله يفهم ماذا يريد منه من اختطفه.
كان الضخم الذي صادفه الاستاذ نهاد في القبو يقول – وقد عرفه نهاد من صوته- بنفاذ صبر: "بعدين معو هاد...بدوش يفيق...العمى. هاي عاملناه بلطافة وهيك صار فيو...كيف لو عاملنا زي باقي الزباين..."
رد المسمى بفايز قائلا:
" مهو يا نطاح انت شوي زودتها...قلتلك بلاش القبو وبالعتمة وتفوتلو وانت تزقف..."
نطاح بعصبية: "لوين بدك اخدو يعني....للصالون عندي بالبيت ولا للجاكوزي الي عنا يا هون بالعمارة...ما علينا روح شوفلي يا اذا فاق..واذا ما فاقش شممو هاي شو اسمها...الأكومونيا"
فايز "أمونيا"
نطاح "طيزي..الي هو"
"مفيش داعي انا صحيت" قال الاستاذ نهاد ثم اعتدل على الاريكة وجلس في صمت ينظر الى الاثنين.
احضر نطاح مقعدا ووضعه بجانب الاريكة ثم جلس عليه ورسم ابتسامة عريضة وقال بصوت اراده مطمئنا "متكونش زعلان علينا هه يا استاذ...سوء تفاهم بسيط. انت عنا ضيف مش محتجز"
"يعني بقدر أروح؟" سأل نهاد بمرارة
"يعني اذا مش حابب تخدم وطنك... بتقدر تروح. حابب تروح؟" سأل نطاح بصرامة
"انا بالخدمة....شو المطلوب"
"اول شي بعرفك عا حالي...انا الرائد نطاح المطايزة وهذاك فايز مساعد ايدي الايمن. تاني شي انا محتاجك عشان مهمة سرية بتتعلق بمصلحة البلد. نحنا بحاجة لقدراتك كأستاذ كبير وشاعر مخرضم"
"مخرضم؟!!"
فايز "مخضرم"
نهاد ينظر لنطاح بقلق ويهز برأسه "ايوا.. ايوا"
أكمل نطاح " مهرجان الشعر الاول في فلسطين....أكيد سمعت فيه"
نهاد "طبعا وأنا مدعو لعرافة ورشة العمل في اليوم الثاني بخصوص "الوجدانية في زمن انتفاء المدرسة الوجودية"
نطاح: " يا سلام....رهيب يا استاذ. رهيب. انا رح أكون معك بصفتي ضيفك الشخصي كشاعر واعد من تلامذتك"
هز الاستاذ نهاد رأسه نفيا "ولا يمكن....هاي فضيحة...متأخذنيش بس واضح انو انت مش ضليع بالشعر وأكيد مش الشعر الحديث. انا بتبهدل..لا"
اقترب نطاح من الاستاذ نهاد وقال له ببطء شديد ضاغطا على مخارج الكلمات "بتعرف القبو الي كنت في تحت شو بسمو؟....الملحمة....فايز بقلي انو برضو في ملاحم بالشعر...مضبوط فايز؟"
"تمام سيادتك" رد فايز مبتسما
" معناتو انا ضليع بالملاحم المش شعرية...وانت استاذ ضليع بالملاحم الشعرية...بتحب انو....؟"
انهار نهاد على ركبتيه وهمس "لا دخيلك تكملش... بلاش الملاحم المش شعرية...انت بتكون ضيفي" لكنه أردف "بس اسف يعني...عندك معلومات عن الشعر؟...بتقدر تدير حديث ولو بسيط عن الشعر؟"
لمعت عينا نطاح "هون بيجي دورك استاذ....عندك 25 يوم بالتمام والكمال علشان تحولني لأدوربيس جديد؟"
"مين؟!!!"
فايز "أدونيس"
قال الاستاذ نهاد بيأس "ايوا.. ايوا أدوربيس" ثم وضع رأسه بين كفيه.
بعد قليل غلبه فضوله فسأل " ما قلتوليش ليش هالاهتمام بمهرجان الشعر؟"
رد نطاح " تعال نقول انه مش مهرجان شعر بريء وانه على الاقل هناك مشارك عنده نية مخفية من وراء الشعر والقافية... "
ثم ادار ظهره واتجه الى النافذة وعقد كفيه وراء ظهره كعادته عندما يرغب ان تترك كلماته الاثر المرغوب
"لكن على مين.....على مين يا شاعر الغبرة؟"
-- تمت--
الحلقة القادمة:
"وقع الاناء على الطريق"
"وقع الاناء على الطريق"
هناك 4 تعليقات:
احلى مقطع لما الاستاذ نهاد بصفرن, حسيت معاه والله :)))))
هاي المره كانت القصة كتير قصيره بس حلوه
اقتراح: يا ريت ما تطول بين "الحلقات" لسببين اللي يمكن هني مشكلتي انا لحالي:
الحلقات متصله ببعض وانا نسيت شو كان الجزء الي قبل وما عندي الوقت اني ارجع واقرا ؛)
طول الانتظار يؤدي الى نقص في الاهتمام.
باختصار ما تطول علينا يا عزيزي
غير معرف
شكرا لاهتمامك لكن انا اكتب بالمدونة عندما تحين فسحات ضيقة من الوقت ما بين أشغالي وعندما يكون المزاج رائقا للكتابة...
لكني سعيد لان هناك من يقرأ ما اكتبه وسأكتب الجزئين المتبقيين من مغامرة رقم 2 قريبا
سعدت بمرورك
شركة تنظيف واجهات حجر بالرياض
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة مكافحة الفئران بالرياض
شركة رش مبيدات بالرياض
شركة مكافحة حشرات بالرياض
شركة مكافحة النمل الابيض بالرياض
شركة تنظيف خزانات بالرياض
شركة تنظيف شقق شرق الرياض
شركة تنظيف فلل شرق الرياض
شركة تنظيف مجالس شرق الرياض
شركة تنظيف موكيت بالرياض
شركة عزل اسطح بالرياض
شركة عزل خزانات بالرياض
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة تسليك مجاري شرق الرياض
شركة نقل اثاث شرق الرياض
https://soundcloud.com
شركة جلي بلاط بالرياض
aldekh
aldekh
aldekh
aldekh
aldekh
aldekh
aldekh
aldekh
شركة تخزين عفش بالرياض
شركة عزل خزانات بالرياض
شركة عزل خزانات بالرياض
إرسال تعليق