عندما بدأت أتعلم العبرية مجبرا بعد نقلي قسرا من مدرستي في القدس الى الصف الثامن في مدرسة جديدة في الجليل, شجعني جميع المعنيين موضحين أن اللغة العبرية والعربية اختين. وبما انني اعرف الأخت الأولى - فلا بد أن طريقي للثانية ستكون أسهل. قياسا على تجربتي مع بنات الجيران سلمت بصحة بهذا المنطق وعكفت ملء طاقتي على تعلم هذه اللغة وكانت البداية جد موفقة.
-أنا بتصير .....
-اني
-أنت بتصير...
- أته
- ممتاز
لكنها تعقدت, كما تتعقد دائما عندما تدخل (تقتحم) الأنثى الى الصورة.
- أنتي
- اتي
- لأ يابا يا حبيبي, قلتلك ميت مرة إلغيلي الياء من تفكيرك عند استعمال الضمير, ماشي؟
- حاضر
-إذن أنتي شو؟
- أته
- لا حول الله يا ربي. لا يابا ركز بنفعش هيك. أنتي بتصير "ات".
- مثل "الغضب الساطع ات"؟
- لا مثل الكف عا نيعك ات. بكفي زناخة مش فاضي لزناختك (يخفي أبي شبح ابتسامة). خلينا نكمل. الفعل اذهب بالعبراني شو هو؟
- ليخ.
- كيف نقول انا أذهب الى المدرسة؟
- اني هولخ لبيت هسيفر.
- طب ضمير الغائب "هو"؟
- بتصير هو
- "هي"؟
- .........
- شو بتصير هي؟
- ..........
- بعدين معك يا ولد. بتصير "هي"
- ما انت قلتلي انسى الياء مع ضمير الانثى
(تدخل امي الى الغرفة)
- خلي عندك ضمير يابا. قلتلك انسى الياء في ضمير الاشارة مش الغائب.
- ليش يعني؟
سكت ابي ثم نظر الى امي خبيرة البيت للغة العربية, ثم غمزني.
- صحيح ليش يا نوال ضمير الغائب غير شكل؟
دون ان ترفع نظرها عن الغسيل المفروش على الطاولة اجابت والدتي:
- عشان الغايب حجته معه.
اتعبتني اللغة العبرية رغم موهبتي في اللغات بشكل عام. ربما كان الامر مرتبطا ذهنيا بالسياق العنيف الذي صادفتها فيه عادة خلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى في شوارع القدس, حيث كنا نردد احيانا صيغ الاوامر التي كنا نسمعها احيانا في باب العامود وباب الجديد – حيث مدرستي القديمة – من الجنود المتعرضين للمارين. صيغ أوامر مثل "بو" اي تعال, ليخ أي اذهب, "كيلف" أي كلب, ناهيك عن السباب الذي يرتكز اصلا على اللغة العربية لقوة تعبيرها التي اكتشفها ابناء عمنا (بالمناسبة من اين أتت أبناء عمنا هذه؟) فتحول قاموس هتك الاعراض لغويا – وبالعربية دون غيرها - الى جزء لا يتجزأ من أسرائيليتهم.
عودة الى اللغة العبرية. ان احد اهم مشاكل هذه اللغة حسب رأيي تشابه بعض الفاظ الكلمات الى حد اختلاط الامر على السامع. المشكلة ان الخلط بين هذه الكلمات قد يترك انطباعا سيئا ويخلق حساسية زائدة في غير مكانها.
مثلا كلمة عرب. "عربيم" برفع الراء. ولكن لفظ "عربيم" يعني ايضا امسيات وهو ايضا برفع الراء. ناهيك عن الكفلاء وهي "عربيم" بكسر الراء (كلمة تعرفت اليها مؤخرا بسبب حملة إعلان). في اغلب الاحيان يميز المعنى لهذه الكلمة من السياق (قال ابي هذه الكلمة وفسر لي معناها ولكني نسيت) أي بعد سؤال احد الكبار.
لست من الذين يرون إهانة لشخصهم في كل مكان ووراء كل كلمة. لكنني تضايقت وبصراحة من إعلان لأحد البنوك الذي كتب على الباصات العمومية "تعال إلينا دون الحاجة الى "عربيم"". اختلط علي الامر فرجعت حينئذ مستعجلا الى البيت وانتظرت عودة والدي الى المنزل وسألته فورا قبل ان يضع شنطته:
"كيف قبلوك في البنك وانت عربي؟".
هدأ حالي عندما فهمت ان القصد هم الكفلاء أي أناس اخرين يعيشون معنا في هذه البلاد. الكفلاء يدفعون الدين اذا لم يدفعه صاحبه. وفي هذا السياق - والشيء بالشيء يذكر - اذكر جيدا عندما لحق بي صاحب الدكان اليهودي وامسكني من رقبتي واخذ يصرخ قي وجهي أشياء لم افهم منها الا كلمة "عربي" و "اباك" و "جناف" عي "سراق" و"ايفو هكيسف" أي اين النقود. احد الشباب العرب اخذ يترجم لي (الله يكثر من اولاد الحلال) ولم يتناسى –مشكورا – الشتائم وهي "جزء لا يتجزء" من الكلام. كم كنت محتاجا الى كفيل من قوم الكفلاء عندئذ ولم اجده فصفعني صاحب الدين صفعتين (واحدة عن كل سيارة سرقها ابن عمي – مشكورا) واقفل راجعا الى دكانه – مشكورا, وفي طريقه قال شيئا بصوت عال سمعه المارين في الشارع وترجمه لي المترجم الامين مشكورا:
"انتم العرب تتعلمون السرقة من صغركم"
لم ادري لماذا لم ابكي حين صفعت, بينما بكيت جدا عندما قال جملته الاخيرة. ابي يكلمني دوما عن الكرامة, وفي فيلم الاكشن الاخير الذي رايته سالت ابي كيف تحول البطل الى بطل بعد ان كان بصلا (احدى الاجابات المحتملة هي ابو الحروف), فقال لي ابي انهم اهانوا كرامته ثم اردف: المثل بيقول "ادعس على الكلب بعوي". لم افهم تماما ما يقوله فالكلب يعوي حتى ولولم تدعس عليه وبالأخص كلب الجيران "اللي ماخذها هواية" كما تقول امي. المهم اني احسست عندها بالاهانة لكنني لم أتحول الى بطل.
كلما تذكرت تلك الحادثة اتضايق واتخيل انني أرد عليه قائلا " ابن عمي هو الذي سرق" فيكف عن ضربي ويكف ذلك الطبل عن الترجمة.
اخ لو كنت درست بصورة افضل. لكن لا بأس اذ انني تعلمت درسي.لقد فهمت انه علي ان ابذل جهدا اكبر لاتعلم العبرية.
-أنا بتصير .....
-اني
-أنت بتصير...
- أته
- ممتاز
لكنها تعقدت, كما تتعقد دائما عندما تدخل (تقتحم) الأنثى الى الصورة.
- أنتي
- اتي
- لأ يابا يا حبيبي, قلتلك ميت مرة إلغيلي الياء من تفكيرك عند استعمال الضمير, ماشي؟
- حاضر
-إذن أنتي شو؟
- أته
- لا حول الله يا ربي. لا يابا ركز بنفعش هيك. أنتي بتصير "ات".
- مثل "الغضب الساطع ات"؟
- لا مثل الكف عا نيعك ات. بكفي زناخة مش فاضي لزناختك (يخفي أبي شبح ابتسامة). خلينا نكمل. الفعل اذهب بالعبراني شو هو؟
- ليخ.
- كيف نقول انا أذهب الى المدرسة؟
- اني هولخ لبيت هسيفر.
- طب ضمير الغائب "هو"؟
- بتصير هو
- "هي"؟
- .........
- شو بتصير هي؟
- ..........
- بعدين معك يا ولد. بتصير "هي"
- ما انت قلتلي انسى الياء مع ضمير الانثى
(تدخل امي الى الغرفة)
- خلي عندك ضمير يابا. قلتلك انسى الياء في ضمير الاشارة مش الغائب.
- ليش يعني؟
سكت ابي ثم نظر الى امي خبيرة البيت للغة العربية, ثم غمزني.
- صحيح ليش يا نوال ضمير الغائب غير شكل؟
دون ان ترفع نظرها عن الغسيل المفروش على الطاولة اجابت والدتي:
- عشان الغايب حجته معه.
اتعبتني اللغة العبرية رغم موهبتي في اللغات بشكل عام. ربما كان الامر مرتبطا ذهنيا بالسياق العنيف الذي صادفتها فيه عادة خلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى في شوارع القدس, حيث كنا نردد احيانا صيغ الاوامر التي كنا نسمعها احيانا في باب العامود وباب الجديد – حيث مدرستي القديمة – من الجنود المتعرضين للمارين. صيغ أوامر مثل "بو" اي تعال, ليخ أي اذهب, "كيلف" أي كلب, ناهيك عن السباب الذي يرتكز اصلا على اللغة العربية لقوة تعبيرها التي اكتشفها ابناء عمنا (بالمناسبة من اين أتت أبناء عمنا هذه؟) فتحول قاموس هتك الاعراض لغويا – وبالعربية دون غيرها - الى جزء لا يتجزأ من أسرائيليتهم.
عودة الى اللغة العبرية. ان احد اهم مشاكل هذه اللغة حسب رأيي تشابه بعض الفاظ الكلمات الى حد اختلاط الامر على السامع. المشكلة ان الخلط بين هذه الكلمات قد يترك انطباعا سيئا ويخلق حساسية زائدة في غير مكانها.
مثلا كلمة عرب. "عربيم" برفع الراء. ولكن لفظ "عربيم" يعني ايضا امسيات وهو ايضا برفع الراء. ناهيك عن الكفلاء وهي "عربيم" بكسر الراء (كلمة تعرفت اليها مؤخرا بسبب حملة إعلان). في اغلب الاحيان يميز المعنى لهذه الكلمة من السياق (قال ابي هذه الكلمة وفسر لي معناها ولكني نسيت) أي بعد سؤال احد الكبار.
لست من الذين يرون إهانة لشخصهم في كل مكان ووراء كل كلمة. لكنني تضايقت وبصراحة من إعلان لأحد البنوك الذي كتب على الباصات العمومية "تعال إلينا دون الحاجة الى "عربيم"". اختلط علي الامر فرجعت حينئذ مستعجلا الى البيت وانتظرت عودة والدي الى المنزل وسألته فورا قبل ان يضع شنطته:
"كيف قبلوك في البنك وانت عربي؟".
هدأ حالي عندما فهمت ان القصد هم الكفلاء أي أناس اخرين يعيشون معنا في هذه البلاد. الكفلاء يدفعون الدين اذا لم يدفعه صاحبه. وفي هذا السياق - والشيء بالشيء يذكر - اذكر جيدا عندما لحق بي صاحب الدكان اليهودي وامسكني من رقبتي واخذ يصرخ قي وجهي أشياء لم افهم منها الا كلمة "عربي" و "اباك" و "جناف" عي "سراق" و"ايفو هكيسف" أي اين النقود. احد الشباب العرب اخذ يترجم لي (الله يكثر من اولاد الحلال) ولم يتناسى –مشكورا – الشتائم وهي "جزء لا يتجزء" من الكلام. كم كنت محتاجا الى كفيل من قوم الكفلاء عندئذ ولم اجده فصفعني صاحب الدين صفعتين (واحدة عن كل سيارة سرقها ابن عمي – مشكورا) واقفل راجعا الى دكانه – مشكورا, وفي طريقه قال شيئا بصوت عال سمعه المارين في الشارع وترجمه لي المترجم الامين مشكورا:
"انتم العرب تتعلمون السرقة من صغركم"
لم ادري لماذا لم ابكي حين صفعت, بينما بكيت جدا عندما قال جملته الاخيرة. ابي يكلمني دوما عن الكرامة, وفي فيلم الاكشن الاخير الذي رايته سالت ابي كيف تحول البطل الى بطل بعد ان كان بصلا (احدى الاجابات المحتملة هي ابو الحروف), فقال لي ابي انهم اهانوا كرامته ثم اردف: المثل بيقول "ادعس على الكلب بعوي". لم افهم تماما ما يقوله فالكلب يعوي حتى ولولم تدعس عليه وبالأخص كلب الجيران "اللي ماخذها هواية" كما تقول امي. المهم اني احسست عندها بالاهانة لكنني لم أتحول الى بطل.
كلما تذكرت تلك الحادثة اتضايق واتخيل انني أرد عليه قائلا " ابن عمي هو الذي سرق" فيكف عن ضربي ويكف ذلك الطبل عن الترجمة.
اخ لو كنت درست بصورة افضل. لكن لا بأس اذ انني تعلمت درسي.لقد فهمت انه علي ان ابذل جهدا اكبر لاتعلم العبرية.
هناك تعليقان (2):
على الهامش:
1. حبيت "- مثل "الغضب الساطع ات"؟" جامدة :)
2. بديت ولاد عمنا، لما كان في مشروع وحدة عربية على نمط "أنا وأخوي على ابن عمي" بس اتخربط الوضع.. بالذات لما صارت "أح شيلو" دارجة
سلام.. أحي
هاي لما كان في مشروع وحدة عربية
لما: زمن سابق ليس له عودة
كان: اسأل خواتها عنها
مشروع: المناقصة رست ع ياسر عباس
وحدة عربية: اليوم معناها الوحيد هو "باب الحارة"
إرسال تعليق