الأحد، 1 نوفمبر 2009

مغامرات زفت في بلاد الحواجز (1)

<



- لازم نتغدى أول...ولا يمكن

قالها واهتز شارباه من الانفعال...

سكت زملائي في المؤسسة ونظرت انا اليهم مستغربا...بل مذهولا

كان الزملاء قد أنتدبوني ممثلا عنهم لأذهب الى حاجز "تبواح" (أي التفاحة) وأستفسر عن مصير بطاقات الهوية التي صودرت منا قبل ساعتين, مؤكدين أنه في حال اعتقالي, سيأتون مباشرة الى الحاجز امناصرتي مع بعض الزملاء المحامين. لا ادري ما هي المؤهلات التي جعلتني أبدو الأنسب لهذه المهمة, ولا أخفي اني كنت قلقا جدا ذلك ان الله أوصى ادم بشكل واضح ان لا يقترب من التفاحة مهما كان.

عندما وصلت الى الحاجز قابلني جندي اسائيلي "عريض المنكعين, شلولخ", فبادرته السلام قائلا "اين المسئول عنك؟" فردت فوهة مدفعه التي وجهها نحوي موضحة انه الفيصل والحكم في أي مسألة اود طرحها. فقلت بإنجليزية يحسدني عليها اللورد بايرون: " أريد أن أعرف ماذا حصل لهوياتنا وقد صادرتموها منذ حين؟"


فرد: TAKE A NUMBER وأشار بإصبعه الى صف طويل من ابناء/بنات شعبي يقفون على هامش الشارع ينتظرون التحقيق لإرجاع هوياتهم, فراعني الاستخفاف البائن من كلماته, وهممت بالاحتجاج لكنه أكمل دون أن يكترث لتعابير وجهي: " أما اذا كنت من هؤلاء الذين هربوا من سيارات الجيش قبل ساعتين واستطعنا القبض عليهم بعد مطاردة طويلة....فأذهب بسرعة وأحضرهم كي يتم التحقيق معهم - وابلغهم ان مروحية عسكرية كادت أن تتدخل للقيض عليهم, فليحضروا بسرعة كي نحقق معهم."

عدت الى بيت أبو حسن القريب من الحاجز ونقلت الخبر مشددا على مدى لهفة شرطة الاحتلال على استقبالنا, لأجد أبو حسن مصرا على استضافتنا للغذاء, كما يبدو خوفا أن يحققوا معنا "على معدة فاضية".

نظرت الى الاخرين متوقعا دعمهم الفوري لما اقول فلا وقت للغذاء لان "الجماعة" ينتظروننا وليس من المستبعد ان نبات كلنا الليلة "في بيت خالتنا" كما يسمي اهلنا التخشيبة تحببا...

- نتغدى ايش هاي يا أبو حسن...بقولك بدهم يانا نروح هلأ عالحاجز عشان يحققوا معنا الشرطة الاسرائيلية ونشوف شو بدنا نعمل...

- معلهش...بتتغدوا اول وبعدين بتروحو.. الغداء جاهز...ام حسن...يا ام حسن

ادار ظهره لي وحسم النقاش وذهب باتجاه ام حسن التي كانت تنقل الطعام من المطبخ الى المائدة...

"دينك عا دين الغدا" قلت في نفسي ونظرت الى زملائي نظرة محتجة...فاجابوني بنظرات غير مبالية واتجهوا ما عدا عبد الله الى طاولة الطعام...

- فكرك رح يحبسونا؟ سألني بصوت منخفض
- شو بعرفني...بس اكيد احسن ما نتاخر احسن ليفكرونا هربنا

سكت عبدالله واتتجه بدورة الى مائدة الطعام...ولحقته انا

بعد الغذاء احضرت ام حسن الشاي بالنعناع...

قلت بعد رشفة واحدة:
- يلا يا جماعة لازم نقوم

هز عبدالله رأسه موافقا لكن...

- في وقت في وقت...خلونا نشرب هالشاي...لذيد والله...أكياس ولا فلت يا ام حسن؟

حسام...مدير المؤسسة وسجين سابق وطبعا لا يخاف من الاعتقال والحبس...ويبدو انه غير مستعجل ان يعود للبيث...

- لا شو اكياس هاي؟ هادا نحنا منشفه ورا البيت ...بدت ام حسن سعيدة لاهتمام حسام بالشاي واكتملت سعادتها عندما طلب ان يرى الشاي المنشف بأم عينه...

"دينك عا دين الشاي بأكياس او المنشف" قلت في نفسي

طبعا وفي العرف الفلسطيني عندما يندفع البطل ليكحل عينيه برؤية اوراق الشاي المجففة, لا تستطيع انت, بما انك لست فلاحا وانما ابن المدينة, ولست سجينا سابقا, وبما ان البطل مديرك , يعني باختصار انت ضيف على المشهد يعني "اجنبي", وقواعد اللياقة تفرض عليك ان تكون خفيف الظل- لذا فانت لا تستطيع ان تعترض لاسباب براغماتية فتخرب على البطل وجميع المشاركين في المشهد هذه اللحظة التاريخية فكم بالحري عندما يكون وراء البيت وعلي بعد مرمى النظر مستوطنة....


بطل
ومشاهدون / مشاركون
واوراق شاي تجففها الشمس وراء البيت ولها نكهة خاصة
ومستوطنة/قلعة تسد الافق ويقطنها الاشرار
يعني كملت
كل شيء جاهز لكي يصنع الفلسطيني ملحمة محلية من العيار المتوسط

وقف حسام متأملا المستوطنة كمن ينتظر الوحي ثم امتص سيجارته وقال دون ان يحيد بنظره عن المستوطنة:
تعرف يا ابو حسن...ما دام لسا منجفف شاي ورا البيث في خلقتهم...معناتو لسه في امل

- في امل...قال ابو حسن

رددها عبدالله وجمال وفايز بينما صدرت عني حشرجة غير مفهومة...

ودمعت عينا ام حسن

"مش رح يقدروا يكسرونا"..اكملها عبد لله والتقت عيناه بعيني حسام الذي نظر اليه باسما

لم اعد احتمل المشهد ورومانسيته....خاصة وانه لا يتجانس أبدا مع المشهد الذي كان قبله عندما خلع الأبطال ملابسهم وانبطحوا, وذاك حديث اخر.

"دينكم عدين الامل" قلت في نفسي


* * *

عندما أقتربنا من الحاجز- بعدما أكلنا هنيئا وشربنا الشاي مريئا , لاحظت أن جماعتي تبطئ خطاها كلما اقتربنا وتنتدبني "بوز مدفع" مرة أخرى بالتزكية.

لكن على مين يا بابا.....

وقفت على بعد 20 مترا من الحاجز وقرفصت في بقعتي تلك لا أحرك ساكنا كمن نزل عليه الوحي فجأة فسمعت الغوغاء ورائي لكني لم أهتم فما كان من قومي إلا أن قرفصوا هم أيضا لكن على مضض, وفي تلك اللحظة انتبه جنود الاحتلال لقعدتنا الأحمدية العفوية فخافوا ان تكون بادرة لموجة شعبية على نمط المقاومة الغير عنيفة A LA مهاتما غاندي, فبدأ الضابط المسئول في توزيع الاوامر على أعضاء القوة بعصبية, ومن ثم مشط ثلاثة جنود رشاشاتهم وخرجوا من منطقة الحاجز باتجاهنا مباشرة وعلامات الحنق والتوتر بادية على وجوههم.

بدأت في معاينة السيناريوهات المحتملة عندما احسست بنفس دافيء يهمس بجانب اذني:

- فكرك بحبسونا؟

*************************


قبل ساعتين من الوقائع الملحمية في بيت ابو حسن كنت انا.. نشيط حقوق الإنسان الشخص المسالم الهاديء, .كنت شارعا في مشروع قتل انسان وقح...قابضا على زمار رقبته بينما يحاول من حولي التفريق بيننا وبالأحرى بين يدي ورقبته.

لكن تلك حادثة أخرى, لها زمانها ومكانها في قصتي...

هناك 4 تعليقات:

أحمر يقول...

حكاية جميلة أرجعتنا إلى أجواء الفخر والبطولة والفروسية ومواقف الرجال الرجال والشوارب وأيام باب الحارة... ومازال فيه أمل يا إخوان... فيه أمل

الكونتيسة الحافية يقول...

افتقدت متابعة كتاباتك جدا

وعجباني اوي صورة الشاي الاخضر المجفف

عظيمة فتحت نفسي لشرب الشاي وانا مبحبوش

اما بالنسبة للقصة فدين الحواجز على دين فوهات المدافع

زفت يقول...

أحمر

دينك عا دين الأمل :)


الكونتيسة

أهلا بك مجددا وحمدلله عالسلامة

كيف كان مشوارك

جريدة الريماس للأخبار الحصرية يقول...

شركة تنظيف كنب بخميس مشيط
شركة تنظيف مساجد بخميس مشيط
شركة تنظيف سجاد بخميس مشيط
شركة كشف تسربات المياه بخميس مشيط
شركة تخزين عفش بخميس مشيط
شركة عزل خزانات بخميس مشيط


شركة تعقيم خزانات بخميس مشيط
شركة صيانة خزانات بخميس مشيط
شركة غسيل خزانات بخميس مشيط
شركة صيانة مسابح بخميس مشيط